في العدد 2 من مجلة «عدن» الصادر في شوال 1380هـ، كتب الخبير البريطاني نايجل وات عن في السلطنة العوذلية عام 1961، قائلا: «لقد ظل مشروع بناء طريق يصل بين مكيراس ولودر في السلطنة العوذلية حلما يداعب عقول كل من يهمهم أمر مستقبل محميات عدن الغربية، لتطوير التجارة وتنميتها، ولأغراض إدارية وأمنية. والسلطنة العوذلية هي عضو في حكومة الاتحاد الفدرالي لإمارات جنوب الجزيرة العربية.. والآن فقد حقق هذا الحلم.. كما أن سكان تلك السلطنة في الاتحاد الفدرالي يجنون ثمرات هذا المشروع المفيد، من خلال زيادة التجارة وتنميتها.0
وقريبا زار صاحب السعادة الحاكم العام السر شارلس جونستن مكيراس ولودر ليفتتح هذه الطريق الجبلية التجارية التي ستسمح لأول مرة للسيارات أن تمر منها وتستعملها كأداة مواصلات هامة بين هاتين المدينتين وبين سكان هذين المركزين (مكيراس ولودر).
وتبلغ مسافة هذه الطريق ثلاثة وعشرين ميلا.. وأخذ بناؤها سنتين.. وبلغت تكاليف الصرف على هذا البناء تسعين ألف جنيه إسترليني، أي (1.800.000 شلن). وقد قدم هذا المبلغ إلى عدن كقسم من مجموع ثلاثمائة وعشرة آلاف جنيه إسترليني، أي (6.200.000 شلن) قدم كإعانة من وزارة المستعمرات لتطوير وبناء الطرقات في محميات عدن الغربية، ضمن مشروع تطوير وتحسين المستعمرات.
وتقطع مسافة 6 أميال في جانب الجبل ذي الهوة السحيقة، بارتفاع يبلغ 4000 قدم، من الهضبة السفلى في لودر إلى هضبة مكيراس العليا، ويبلغ ارتفاعها 7000 قدم فوق سطح البحر.
ولم يحدث في الماضي أن بنيت طريق فوق جبل عال.. وكانت الوسيلة الوحيدة للمواصلات- الموجودة آنذاك بين منطقتين- هي مجرد ممرين للمشاة يتعرجان ذات اليمين وذات الشمال.. وحتى الآن فإن الجمال والحمير يعتبران وسيلة لنقل التموينات المختلفة من البترول وزيت الديزل وزيت الوقود إلى مكيراس، كما أنها تحمل الخضروات إلى لودر.
وفي الأيام الأخيرة حلت المواصلات الجوية محل هذه الطريق البرية.. فسهلت المواصلات، ولكنها- كوسيلة من وسائل المواصلات لحمل المؤن والبضائع- كانت تكلف مبالغ باهظة.
إن بناء هذه الطريق هو (معجزة هندسية) دلت على الإقدام والجرأة والإيمان بالانتصار على المصاعب الطبيعية. لقد شق منحدر طوله ستة أميال في جانب من صخرة كبيرة عمودية ترتفع حول منعطفات ضيقة كـ (سَم الخياط) ، وعددها يربو على 45 منعطفا.. وحول ليات و(لفات) خطيرة، ويصل هذا المنحدر إلى الهضبة العليا.
وكان يجب أن تحفر وتثقب وتنسف بـ (الديناميت) كل قدم في هذه الطريق لأنها صخرية.. واستعمل في هذا حوالي 80.000 رطل من (الجلجنايت) لنسف الصخور. وكان سطح الجبل صلب، وكانت الصخور صعبة المراس لاينفذ إليها الإزميل إلا بعد لأي شديد.
وكان هناك عمل شاق آخر ألا وهو نقل المعدات الثقيلة والسيارات المطلوبة لهذا المشروع.
فزيادة على نقل البلدوزر كانت هناك سيارة كبيرة وصهريج كبير متحرك للماء وسيارة حمول لرمي الحجارة المستخرجة من الصخور، وأربع قاطرات.. وكان المطلوب من هذه كلها أن توضع في مكانها اللائق وسط صعوبات ومنعطفات ومنحدرات خطيرة.. وكان على السيارات أن تشق طريقها بنفسها بوصة بعد بوصة، وبحذر شديد.. وإحدى الصعوبات الموجودة كانت وجود اللفات والليات الضيقة جدا.. وكان على مئات من الأطنان من الحجارة والصخور أن تصفى من القسم الأكبر من منعطف واحد، وأن ترمى كالشلال إلى القسم الأسفل من الطريق الذي قد انتهى البناء فيه.. ومن ثم يصفى هذا القسم الأسفل من هذه الحجارة.
وجرت العادة أن يبدأ العمل في طريق كهذه من أعلى إلى أسفل، وربما أنه لم يكن هناك بد مما ليس منه بد، لصعوبة نقل المعدات الثقيلة إلى أعلى هضبة مكيراس.. فكان لابد أن يبدأ العمل من أسفل ويستمر إلى أعلى.. وأم المشاكل كانت تحدث في تصفية الطريق من الحجارة في الهضبة السفلى كلما استمر العمل إلى أعلى الهضبة.
إن نسف الصخور الصلبة بالديناميت كان أخطر عمل في هذا المشروع.. وكان لاينتهي أيضا، وكان العمل يتطلب الجرأة والشجاعة والإقدام.. فكان هناك بلدوزر ضخم حمولته 26 طنا تتقدم رويدا رويدا بعد نسف مئات من الأطنان من الصخور، لتنقل الصخور المتناثرة وترميها لتصفي الطريق.. وهكذا كان العمل يجري في الطريق المرتفعة.
طريق مكيراس ـ لودر عام 1961 (سلطنة العواذل)
وكان عدد أولئك الذين يعملون في هذا المشروع الجبار 40 عاملا باستثناء المشرف العام على بناء الطريق والمستر إتش.سي شيبرسن، الذي انضم إلى إدارة الأشغال العامة من الخارج.. فقد كان جميع العمال محليين، ومعظمهم قدم من أرض العواذل.. ولكن بعضهم جاء من مناطق أخرى، إما من عدن أو الاتحاد الفدرالي- بمن فيهم ناسف الصخور بالديناميت الذي يحمل إذنا خاصا بهذا العمل، وهو من رجال الشيخ عثمان.. وسائق البلدوزر الخبير والقدير وهو من سلطنة يافع السفلى.. وقد تعلم المهارة في عمله من المشرف العام على بناء الطريق عندما كانا يعملان معا في بناء طريق أبين قبل وقت مضى.
ومع أن هذا المشروع الكبير كان يتطلب الحذر الشديد- لأنه كان يتضمن أخطارا عدة- فلم تحدث أية إصابات حتى الأسابيع الأخيرة.. ولكن وقع حادث واحد- يؤسف له- وهو فقدان عامل، وقعت عليه صخرة كبيرة كانت تتدحرج من الجبل، ووقع هذا الحادث عندما كانت المنعطفات الأخيرة في الجبل تحفر وتثقب.
وفي أعلى المنحدرات كان مهندسو الجيش الملكي قد بنوا القسم من الطريق المؤدية إلى مكيراس.
حقا لقد كان هذا المشروع مجهودا تعاونيا وعملا جريئا حقق معجزة هندسية في أعالي الجبل.. فقد جهزت حكومة صاحبة الجلالة (الملكة إليزابث الثانية) المال، وجهزت حكومة الاتحاد الفدرالي رجال الأمن.. كما قدمت التعاون الشامل في جميع المسائل العملية المتعلقة بالعمل.. أما حكومة عدن فقد قدمت المهندسين ورجال البناء، عن طريق إدارة الأشغال العامة.
أما الجيش فقد قدم مساعدة ثمينة في بناء القسم الأعلى من الهضبة.. أما سلطنة العواذل فقد قدمت العمال الذين عملوا في بناء هذه الطريق.. لقد تعاون كل هؤلاء لإنجاز مشروع مفيد أثبت أهميته الآن.. ذلك أنه جاء برخاء اقتصادي وتجاري في السلطنة العوذلية».